الإعجاز التأثيري للقرآن الكريم
الكاتب: د/مصطفى السعيد مصطفى
مقدمة:
الإعجاز القرآني - بكافة أشكاله وألوانه- من أقوى الأدلة على أن
القرآن من عند الله تعالى, وهذا هو السرُّ الذي تحدى الله به العرب
أن يأتوا بمثله فعجزوا, فتحداهم أن يأتوا بسورة من القرآن ولكنهم
لم يستطيعوا أن يفعلوا, وهم أرباب الفصاحة والبلاغة والبيان.
بل قد تحدى الله به الأنس والجن مجتمعين ومتعاونين، ولكنهم عجزوا
حتى ولو عاون بعضهم بعضاً؛ وذلك لأن القرآن هو كلام الله تعالى،
فأنى لهم أن يأتوا بمثله أو بعضه.
مفهوم الإعجاز التأثيري والدعوة:
الإعجاز التأثيري يعني: أنَّ للقرآن الكريم تأثيراً بأسلوبه
الخلَّاب على سامعه وقارئه، من خلال سلطانه العجيب الذي يؤثر في
القلوب المؤمنة والكافرة, فهو وجه مستقل من أوجه الإعجاز القرآني.
ويظهر هذا الإعجاز التأثيري فيما يتركه من أثر على سامعه وقارئه
ظاهراً وباطناً, فما إن يقرأ الإنسان آيات من الذكر الحكيم أو
يسمعها تتلى عليه, إلا ويشعر في نفسه وقعاً خاصاً, ويحسُّ في قلبه
تأثيراً خاصاً, وسلطاناً عجيباً, لا يكون أبداً لغير آيات القرآن
الكريم؛ لأنه كلام رب العالمين.
أما الدعوة, فهي في مجملها تعني حثَّ الناس على الخير والهدي
وتقبله, وتدفع الناس على أن يعتادوا الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر؛ ليفوزوا بسعادة الدارين.
ومن المعلوم أن الدعوة إذا أطلقت لا يراد منها إلا الإسلام
بتعاليمه وشرائعه المختلفة.
معالم الإعجاز التأثيري للقرآن:
إن القرآن الكريم والسنة النبوية هما عماد الاستدلال في هذا
الموطن, ولقد ذكر القرآن الكريم كثيراً من الآيات التي تحثُّ الناس
على التدبر لآياته، والتفهم التام لمعانيه، والتأثر الكامل عند
تلاوته, أيما كان التأثر، سواء كان قلبياً أو خارجياً.
فالتدبر لآيات القرآن الكريم والعمل بمقتضاه أمر ضروري, حيث نعى
ربنا عز وجل على الذين يقرئون القرآن ولا يتدبرون معانيه.
ولقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم جملة من الأحاديث التي تؤكد
وجود التأثير القرآني على قارئه وسامعه, وهذه الأحاديث توحي لكل ذي
عقل أن للقرآن الكريم أثر لا ينكره إلا الجاحد.
وهذا التدبر والتأثر يحتاج من المسلم إلى آداب تعينه على تحقيق
ذلك, وحصوله في قلبه, وهذه الآداب تخرج في صورتين:
الأولى: تتعلق بالقلب، ويطلق عليها: الآداب القلبية, وتتعلق
بالوجدان والفؤاد بين المسلم وربه.
الثانية: تتعلق بالظاهر، ويطلق عليها مسمى: الآداب الظاهرية،
وتتعلق بالمظهر الخارجي.
أدوات التأثر بالقرآن الكريم:
هذا الإعجاز له أدوات يظهر عليها التأثير واضحاً دون غموض, وهذه
الأدوات ذكرها الله تعالى في القرآن في غير موضع منه, وهي السمع
والبصر والفؤاد.
فالسمع هو الأداة الأولى التي نص عليه القرآن؛ لأنه أول شيء يصل
للإنسان.
وأما البصر فهو الأداة الثانية, حيث يستقبل المؤثر بعد السمع
مباشرة, بمعنى: إذا طرق السمع آية مؤثرة؛ تجد العين فوراً تذهب
لتستكشف وتستجلي ما أتى لها من مؤثرات.
أما القلب فهو آلة التأثر الحقيقي للقرآن الكريم, بل هو المعيار
الذي يقاس به مدار التأثر بالقرآن, فمن أراد أن يقول: إني تأثرت
بالقرآن؛ فعليه أن يراجع قلبه, فإن وجد رقةً وحنيناً وبكاءً؛ فقد
تأثر، وإلا فلا.
وسائل الإعجاز التأثيري للقرآن الكريم:
ونقصد بالوسيلة هنا: الطريقة التي يتم بها إيصال التأثير القرآني
إلى القلوب, فهذه الوسائل التي أعنيها إنما هي بمثابة الدليل الذي
يقود الحائر إلى رياض القرآن الكريم, فلابد من وسائل ترشده إلى
المنهج الواضح والصراط المستقيم.
وهذه الوسائل متعددة في القرآن الكريم؛ فمنها القصة والحوار
والمثل, والقسم والدعوة للتأمل والتفكر.
موانع التأثر بالقرآن الكريم:
والموانع هنا المقصود بها: ما يحجب المرء عن التأثر بالقرآن, فهناك
أسباب تحول بين القلب وبين التأثر بكلام الله تعالى, ولعل في مقدمة
ذلك: الاستكبار, والجهل، واتباع الهوى, وقسوة القلب, إضافة إلى بعض
الأمراض الباطنية؛ مثل الغضب، وسوء الخلق..
الدعاة إلى الله والإعجاز التأثيري للقرآن الكريم:
الهداية القرآنية من أهم الآثار التي يحدثها التدبر القرآني في
الدعاة, ونقصد هنا كل أنواع الهداية: وهي الهداية العامة, وهداية
الدلالة, وهداية التوفيق, والهداية الأخروية.
كما أن الإخلاص يعدُّ كذلك من أهم آثار التدبر القرآني, فكلُّ عمل
يخلو من الإخلاص لا بركة فيه, وإذا كان هذا ينطبق على أي عمل، فما
بالك إذا كان هذا العمل هو الدعوة إلى الله تعالى, حيث يدفع هذا
الإخلاص الدعاة إلى فعل الخير دون اعتدادٍ بعواقبها ما دام الأمر
لله.
ومن الآثار كذلك: الاعتدال والوسطية, فالاعتدال يعدُّ أثراً
حقيقياً من آثار تدبر القرآن والتأثر به، والتأثير به في المدعوين,
خاصة وأن الناس يحتاجون من الدعاة لأسلوب القرآن العذب الرفيق
الرقيق، دون تشدد ممقوت يبعد الناس عن الدعوة ولا يقربهم منها, ولو
فعل الداعي ذلك فشدد وتشدد؛ لكان حظه من التأثر بالقرآن قليلاً.
أهم النتائج:
انتهت هذه الدراسة إلى عدد من النتائج هي:
1.
الحديث عن الإعجاز غدا أمراً مهماً, وذلك لما يعيشه العالم من عصر
التقنيات الحديثة, ومن ثمَّ كان لا بد من دراسة هذا الإعجاز؛
ليتبين للعالَم أن القرآن فيه كل شيء جد أو يجد إلى يوم القيامة.
2.
أهمية إفراد الإعجاز التأثيري كوجه مستقل قائم بذاته وليس تابعاً
لأوجه الإعجاز القرآني الأخرى.
3.
أهمية استخدام التأثير القرآني في الدعوة إلى الله تعالى كسلاح
دعوي, ولسنا بدعاً في هذا؛ فقد استخدمه رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
4.
تبصير الناس بأهمية هذا الإعجاز، وفتح الباب للباحثين ليدرسوه عن
حب واقتناع, فهو إعجاز لا غنى لداعية عنه.
5.
إبراز ما في آيات القرآن من جوانب الإعجاز التأثيري للقرآن الكريم؛
ليعي الناس هذا الأمر ويفهموه.
|
- Blogger Comment
- Facebook Comment
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة
(
Atom
)
0 التعليقات:
إرسال تعليق