الدعوة إلى الله
الذكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الدعوة إلى الله فرض عين على كل
مسلم :
هذا ينطلق من فهم خاطئ، وخاطئ بشكل
كبير، أن عامة المسلمين يتوهمون أن الدعوة إلى الله
ليست لهم، للعلماء الكبار، هناك عدد من العلماء تفرغوا،
وتبحروا، وتعمقوا، وتخصصوا، هؤلاء أنا أقول لك: بالعكس،
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، كلامي دقيق جداً،
أنت لماذا تصلي؟ لأن الصلاة فرض على كل مسلم، فإذا
أثبت بالدليل والتعليل أن الدعوة إلى الله فرض عين على
كل مسلم، قال تعالى:
(وَالْعَصْرِ)
[سورة العصر]
أقسم بالعصر.
(إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)
[سورة العصر]
خاسر.
(إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ)
[سورة العصر]
فالتواصي بالحق في نص هذه الآية
ربع النجاة، أو أحد أركان النجاة، لا ينجو الإنسان إلا
إذا تواصى بالحق، هذه الآية الثانية.
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ
اتَّبَعَنِي)
[سورة يوسف الآية: 108]
فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة
ليس متبعاً لرسول الله.
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ
اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي)
[سورة آل عمران الآية: 31]
فالذي لا يفكر أن يدعو إلى الله
فهو ليس على بصيرة، وشيء ثان هو لا ينتمي لهذا الدين.
الدعوة إلى الله دعوتان؛ فرض عين و
فرض كفاية :
لكن حتى أكون دقيقاً جداً في
الكلام الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود
ما يعلم ومع من يعرف، إنسان جلس يوم الجمعة في مسجد،
استمع إلى خطاب عميق جداً تأثر، كتب كلمتين، كتب الآية،
وكتب شيئاً من شرحها، الآن سيلتقي مع زوجته مساء، جاء
لعنده أخ، صديق زاره، ذهب إلى مكان، التقى بإنسان يحبه،
كل لقاءاتك في هذه الجمعة ينبغي أن تدور حول هذا الذي
سمعته في يوم الجمعة، قال:
بلِّغُوا عني ولو آية
[أخرجه البخاري والترمذي عن عبد
الله بن عمرو بن العاص]
هذه الدعوة فرض عين، في حدود ما
تعلم ومع من تعرف، أما الدعوة إلى الله التي أساسها
التفرغ، والتعمق، والتبحر، والقدرة على الإجابة عن أي
سؤال، وكشف الملابسات والمتشابهات، فهذه دعوة فرض
كفاية، إن قام بها البعض سقطت عن الكل، يكون بكل بلد
عدة علماء كبار، تفرغوا، وتبحروا، ونذروا أنفسهم لخدمة
هذا الدين، هذا فرض كفاية قام به البعض سقط عن الكل،
أما الدعوة كفرض عين على كل مسلم ففي حدود ما يعلم ومع
من يعرف.
هي دعوة لكن لها معنى مركباً قليلاً، أنت إذا كنت بدائرة، أو بمكان عمل، وكنت صادقاً، صدقك فضلاً عن أنه طاعة لله هو مثل أعلى لمن حولك، الصادق داعية.
المسلم في بلاد الغربة حينما يقصر
كل من حوله يتهمون دينه بالتقصير :
طبعاً، أنت الآن بأستراليا، بشركة،
هناك عدد كبير غير مسلم، هم يتابعونك، هذا مسلم وجدوك
صادقاً لا تكذب أبداً، وجدوك أميناً، الإسلام كله
ارتقى في نظر هؤلاء، معنى هذا أن الدين عظيم، هذا
المسلم حينما يقدم تقريراً كاذباً، حينما يهمل عمله،
حينما يقصر كل من حول هذا المسلم المقصر اتهموا دينه
بالتقصير، فهذه المشكلة خطيرة جداً، المشكلة هنا أخطر
من بلادنا، ببلادك أنت واحد من مجموع، فإذا قصرت أو
أهملت يشار إليك بالتقصير، أما هنا فيشار إلى الإسلام
بالتقصير.
فالإنسان إذا لم يطبق الدين ودعا له، هناك سؤال كبير ينشأ، يقال في نفس المراقب له: لو كان هذا الدين حقيقياً لما أفرز هذا الإنسان، وإذا كان الدين صالحاً لكنه يتناقض مع دعوته، تقول له: اصمت ما دمت لا تطبق دينك نحن لسنا بحاجة إليك.
الناس لا يحتاجون إلى فلسفة
يحتاجون إلى إنسان يطبق :
هناك موقفان صعبان جداً من إنسان قصر في أداء دينه،
لأن الناس كلهم ينظرون إلى هذا المسلم، فبين أن ترقى،
وبين أن تسقط.
مثلاً: لما فتح الفرنجة القدس، ذبحوا سبعين ألفاً في يومين، فلما فتح صلاح الدين القدس لم تراق نقطة دم واحدة، بل أراد ن يخرج الإنسان متاعه بأثمانها، هي تكون غنائم، فعلوا أشياء لما فتحوا القدس شيئاً يفوق حدّ الخيال، لذلك الناس لا يحتاجون إلى فلسفة فرضاً، يحتاجون إلى إنسان يطبق. النبي الكريم بماذا وصف، قالوا: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي. الآن الأستراليون يحتاجون كي نقنعهم بهذا الدين إلى مؤمن يمشي على قدمين يرونه بأعينهم. أذكر إنساناً عنده بقالية، ملتزم تماماً، جاءه لعنده إنسان طلب بيضاً قال له: طازجة؟ قال له: والله هذه الكمية عندي من ثلاثة أيام، لكن جاري أحضر اليوم بيضاً طازجاً، خذ من عند جاري، هذا دُهش، هذا الإيمان، فيه صدق، فيه أمانة، فيه موضوعية، فيه عفاف. ماذا قال الذين رأوا النبي الكريم، قالوا:
نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه
[أخرجه ابن خزيمة عن جعفر بن أبي
طالب]
إذا حدثك فهو صادق، وإذا عاملك فهو
أمين، وإذا استثيرت شهوته فهو عفيف، وكأن هذه الصفات
الثلاثة أركان القضية، صادق، أمين، عفيف، من حيث
الشهوة عفيف، من حيث الكلام صادق، من حيث التعامل أمين.
الدعوة إلى الله تتطلب الصدق و
الأمانة و الإتقان :
في بلد لم أذكر اسمه، قريتان كبيرتان جداً في سفح جبل،
وسكان هاتين القريتين ليسوا مسلمين، فوجئت أن هاتين
القريتين اعتنق أهلها الإسلام جميعاً، بسبب طالبي علم
كانا عندهما، كلام الداعية كالسحر، إذا وجد الصدق،
والأمانة، والإتقان، أما إن رأوا أن الدعوة إلى الله
أصبحت حرفة، ورأوا مسافة كبيرة بين ما يقوله الداعي
وبين أحواله، وبين بيته وبين أحواله اليومية، هذه
المسافة خطيرة جداً.
لذلك الأنبياء لماذا كانوا في أعلى درجات التأثير؟ لأن الذين حولهم ما وجدوا مسافة بين أقوالهم وأفعالهم، الذي فعلوه عين الذي قالوه، والذي قالوه عين الذي فعلوه. فالآن لا يحل المشكلة أفكار، ولا مقالات، ولا كتب، ولا محاضرات، ولا مراكز ثقافية إسلامية، يحل المشكلة إنسان صادق، أمين، عفيف، يمشي على قدمين أمام الناس، يحل المشكلة المثل الأعلى، يحل المشكلة إنسان يمشي على قدمين، وهو يمتلئ إيماناً، ويقيناً، واستقامة وكمالاً.
العالم و العابد :
إذا الإنسان اكتفى بعبادته فقط صار
عابداً ما عاد عالماً، والفرق كبير بين العابد والعالم،
كلمة أخرى قد لا ترضي بعض الناس العابد أناني، أدى
الواجبات وارتاح، لا يوجد عنده أي رغبة ليهدي أحداً من
الناس، أما الداعية فعنده رغبة جامحة في أن يؤثر في
الناس، لذلك أولى ألف مرة أن تنتقل هذه الدعوة من
إنسان إلى إنسان، لذلك الفرق بين العالم والعابد فرق
كبير جداً، العابد همه نفسه أما العالم فهمه الأمة،
الله عز وجل بقدر نوايا العالم يعطيه قوة تأثير،
بصراحة قوة التأثير لا يملكها أحد، هذه يعطيها الله عز
وجل لمن علم منه الصدق، ليست قضية ذكاء.
مرة كنت في مسجد، فيه حرم داخلي، وحرم خارجي، سمعت درساً ما سمعت لغة أقوى من ذلك، لغة، وأدلة، فلما أطللت على الدرس وجدت أربعة أشخاص قاعدين، أربعة أشخاص فقط. فأحياناً الله يكتب القبول لدعوة، وأحياناً لا يكتب القبول لها، الإخلاص، الإخلاص هو الذي يعطي الكلام قوة تأثير.
عظمة الدين أن مبادئه ونتائجه
الكبيرة متاحة لكل مسلم :
لكن بشكل عام هو شيء لكل الناس، عظمة الدين أن مبادئه
ونتائجه الكبيرة متاحة لكل مسلم، في أي مكان وأي زمان،
لا يوجد تفرقة، ولا طبقية، أنا أقول: أقل إنسان بالأرض
متاح له أن يكون أعلى إنسان بالإيمان.
عندنا لذة، وعندنا سعادة، اللذة حسية تحتاج إلى مال، إلى طعام طيب، إلى بيت جميل، إلى امرأة جميلة، إلى مركبة فارهة، أما السعادة فتنبع من الداخل لا تأتي من الخارج تنبع من الإيمان، تنبع من طاعة الله، تنبع من الاستقامة، تنبع من الرضا بقضاء الله، فهذه فيها سعادة، فالسعادة تنبع من الداخل، أما اللذة فتأتي من الخارج. والإنسان أول حياته يكون شاباً لا يملك المال، أما الصحة فطيبة، لا يوجد معه مال وعنده وقت وصحة، الآن بالأربعين، بالخامسة والأربعين، بالخمسين صار عنده المال، لكن لا يوجد وقت، على رأس عمله كل يوم، هناك صحة ومال لكن لا يوجد وقت، صار في السبعين، في الخامسة والسبعين هناك مال و وقت لكن لا يوجد صحة، الدنيا دائماً فيها شيء ناقص، إما الوقت، أو المال، أو الصحة. لكن الإيمان ليس كذلك، الإيمان حينما تنعقد الصلة أنت جاءتك الخيرات، جاءك اليقين، جاءك التوازن، جاءك الرضا، جاءتك السكينة، تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، جاءك السرور من الله عز وجل.
الخير يأتي من طريق الدين :
لو أهل الدنيا علموا كم عند المؤمن
من سعادة والله لنافسونا عليها، لذلك أنا لا أصدق هذا
النص إلا لأنه خرج من ملك، هناك ملك ترك الملك، وصار
عارفاً بالله، هو إبراهيم بن الأدهم، قال: والله لو
يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف، من
قالها؟ ملك مدفون بجبلة بسوريا، هو ملك ترك الملك
والتفت إلى معرفة الله عز وجل، لأنه هو قالها، ولأنه
كان ملكاً ويعلم ما معنى الملك، كل شيء بين يديه، كل
شيء له، كل أنواع المتع متاحة له، هذا الشيء بكل
العصور أساساً، فهو قال: لو يعلم الملوك ما نحن عليه
لقاتلونا عليها بالسيوف.
لكن الأزمة أزمة علم فقط، والدليل أهل النار في النار ما أزمتهم فقط؟.
(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ
أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)
[سورة الملك]
موضوع علم فقط، هو إنسان يحب الخير
لنفسه، يحب السلامة، يحب السعادة، يحب الرقي، يحب
السرور، لكن ما عرف أن الخير يأتي من طريق الدين، ظنه
بالمال اكتشف المال فرأى أنه ليس كل شيء.
الآن مكاسب الدنيا المشهورة المال، والنساء، والمناصب، هذه المكاسب في البدايات شيء كبير عند الناس، إذا إنسان مشى بطريقة وحصل على شيء منها، صار شيئاً عادياً وأوضح مثل: أنت لا يوجد عندك سيارة، أخذت سيارة، أول أسبوع، ثاني أسبوع مستمتع بها، بعد شهر صارت شيئاً عادياً كأنها دراجة، عندك بيت صغير، أخذت بيتاً كبيراً له مناظر بعد شهر أصبح البيت عادياً. فالله ما سمح للدنيا أن تمدك بسعادة مستمرة، فكل شيء بالبدايات كبير، بوسط العمر يصغر، أما عند الموت فليس بشيء. يروون أن إنساناً يقطع الصحراء على ناقة، وعليها طعامه وشرابه، فجلس ليستريح فأفاق فلم يجد الناقة، بكى، وبكى، وبكى، ثم أيقن بالهلاك، ثم حانت منه التفاتة فرأى بعيداً كأن هناك بحيرة أو مجمع ماء، فوصل إلى هذا المجمع بعد جهد كبير، فشرب حتى ارتوى لكن هو جائع جداً، رأى كيساً إلى جانب هذه البركة، فتحه، فقال: وا أسفاه، فظن أن فيه خبزاً فوجد فيه لآلئ فقال: وا أسفاه هذه لآلئ، ماذا يفعل بها؟.
قصة وعبرة :
أكبر غني بالعالم مات جوعاً،
روتشيلد، كان يقرض الحكومة البريطانية، دخل إلى خزانة
ماله، عنده الخزانة غرفة بأكملها، دخل إلى الخزانة
أُغلق الباب خطأ والمفتاح بالخارج، صاح، وصاح، وصاح،
فلم يدرِ به أحد، فجرح إصبعه وكتب على الجدار: أغنى
إنسان في العالم يموت جوعاً، هذه من حكم الله عز وجل.
لا يكلف الله نفساً إلا وسعها :
الله عز وجل لا يمكن أن يكون منهجه
مستحيلاً، والدليل:
(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً
إِلَّا وُسْعَهَا)
[سورة البقرة الآية: 2286]
هو العليم الخبير، ما كلفك فوق
طاقتك، لكن الذي يقول: هذا الشيء لا أستطيعه معنى ذلك
أنه يقول لا أريد أن أفعله، فقط، الشيء الذي تتصور أنك
لا تستطيعه هو الشيء الذي لا تحب أن تفعله، أما إذا
أصر الإنسان فكل شيء سهل.
كلما كثرت الصوارف والعقبات ازداد
الأجر :
عندنا هنا صوارف وعقبات، كلما كثرت
هذه الصوارف عن الدين، أجدادنا لم يكن بحياتهم غير
البيت والجامع، الدكان والبيت والجامع، الآن يوجد
فيديو، وأفلام، وسهرات، و نواد ليلية، هناك أنواع من
اللهو لا تعد ولا تحصى فهذه اسمها صوارف، وهناك عقبات،
و تدقيق، لماذا تصلي؟ فهناك عقبات و صوارف، وكلما كثرت
الصوارف والعقبات ازداد الأجر، قال:
اشتقت لأحبابي، قالوا: أو لسنا
أحبابك؟ قال: لا أنتم أصحابي، أحبابي يأتون في آخر
الزمان، القابض على دينه كالقابض على الجمر، وأجرهم
كأجر سبعين، فقالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم، قال:
لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون
[الترمذي عن أنس]
لذلك النبي قال، وهو حديث قدسي:
العِبَادَةُ في الهرج كهجرة إليَّ
[أخرجه مسلم والترمذي عن معقل بن
يسار]
أي عبادة في زمن الفتن زمن الصوارف
الكثيرة، وزمن العقبات، هناك صوارف وعقبات، فالعبادة
في هذا الزمان أجرها مضاعف.
العِبَادَةُ في الهرج كهجرة إليَّ
والحمد الله رب العالمين
|
- Blogger Comment
- Facebook Comment
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة
(
Atom
)
0 التعليقات:
إرسال تعليق